_____العقل المتسائل___________

ان العلم مهما كانت اهتماماته وفيما يختص هو عباره عن صياغة لملاحظات علماء لإمور موجودة في الحياه ومسلمات من قبل عقول الناس العاديين,فلو نظرت الى احد العلوم لوجدت انها تتكلم عن اشياء كانت بالنسبة لك مجرد مسلمات ارتفعت من خلالها استنتاجات ونظريات,ان هذه المسلمات تحولت الى علم لانها تدقيق في ما امامك وملاحظات على التجارب وتساؤلات عن المسكوت عنه والمهمش والمهمل.
التساؤلات هي ما تجعل العقل ينمو ويكبر وهذا العقل المتسائل هو عقل شديد التوتر الفضولي يرفض الركون الى الاجابات التي تدعي الاطلاقيه,هذا العقل انما يمكن صاحبه من توليد الفرص وصياغة اشكالها,تلك الفرص التي تخلصه من مشاكله وتوسع افاقه وتنمي اعماله,تلك الفرص التي يعجز عن تكوينها العقل الخامل فهو عقل يرفض العمل ويكتفي بالانفعال ولا يتفتح وعيه على مواطن القصور الا قليلا مما يولد شعورا بالرضا لدى صاحبه.
تضاؤل الاسئله يؤدي الى تضاؤل العقل مما يجعله مرشحا للانزلاق الى مربع اليأس والاعتقاد بإنسداد الطرق عند اصغر المشاكل,قد يكون هذا العقل مكتظا بالمعلومات وقد يكون صاحبه متربعا على اعلى درجات السلم الاكاديمي ولكنه مع ذلك يفتقد للعقليه التساؤليه لانه يمتلك (عقلا متذكرا)لا (عقلا متسائلا) فالحفظ عدو لبناء العقل وتنميته فهو يلتهم الوقت الذي يتطلبه ولا يكتفي بالوقت,فهنالك تعارض منهجي بينه وبين العقل المتسائل,فعقل الحافظ لا يميل الى الاستكشاف والبحث ولا التساؤل وانما يبحث عما في جعبته من محفوظات ولا يسعى حتى الى تجديدها الا بحفظ ما هو اجد منها.
ومن الامور التي يتميز بها صاحب العقل المتسائل ان لديه شغف لهز العادات الفكريه وزعزعة التقاليد الثقافيه نتيجة للانتفاض العقل واشتعال نار الاسئله اتجاه تلك التقاليد التي لا تستمد مكانتها مما تنطوي عليه من موضوعيه بل من ارتفاع منسوب كثافة تداولها اما في المقابل فالعقل المتخم بالكسل وقبول المسلمات,لا يطيق عناء المحاكمه والتمحيص بل ينفر من السؤال وتبعاته, يقتنع باي اجابه وتسويغ ,وتتسلل الى ذهنه كل فكرة حتى ولو كانت في منتهى التقليديه ,ويمكنك ان تميز صاحب العقل النهم المتسائل عن غيره بصفة اسئلته وماهيتها ومدى حدتها ونوعية الشيء المستهدف بالسؤال فكل ذلك يميز العقل ويحدد الى اي مستوى قد وصل.
لكن المشكله هي ان طريقة التدريس والمناهج التي كانت تدرس في المرحلة الدراسيه الاولى (الاساس والثانوي) تحتوي على كمية عالية من الحفظ فينصرف الطالب والمعلم عن ما ينفع الطالب لمستقبله الى ما ينفعه وقت الامتحان فتذهب الاسئله المهمه (كيف يفكر,وكيف يستخدم عقله,وكيف يخترع,وكيف يطور)والحفظ للامتحان كرمي حجر في نهر جار يحدث اثرا ولكنه سرعان ما يختفي لان الطالب لم يعرف هدف هذه العلوم وغايتها ولا حتى تاريخها,ويتخرج الطلاب حالهم متساويين لا يختلفون الا في فروقات صغيره الا وهي قوة الحفظ لا قوة العقل, ونحن كطلاب يجب ان يكون لدينا وعي حقيقي وادراك تام وإلمام شامل لما ندرس وماذا نستفيد من هذه العلوم في المستقبل وعلى المدرسين واصحاب المنشأت العلميه ان يكونوا صريحين فيما يريدون ان يتعلمه الطلاب وعلى ماذا يريدون ان يؤسسوهم بشكل موضوعي ,واضح الاهداف.
علينا ان نجعل التساؤل في الاشياء المباح التساؤل فيها تمرينا يوميا فحينها يتمتع العقل بدرجة عميقه من الكفاءه فإنه يظل في حراك تساؤلي دائب نتيجة للتحلي بالحساسيه العاليه اتجاه التفاصيل التي لا يكترث لها غالب الناس, و البنيه العقليه ذات رحابه في ادراكها تستمد قوتها الحقيقيه من طبيعة الاسئله التي توجهها.
فاجعلوا اسئلتكم لكي تتجاوز القشور الى اللباب ولا تقف عند العرض بل تنفذ الى المرض من اجل مستقبل افضل لنا ولبلادنا وللجميع
[justify]

تسلم يدك يا علم